أصدر القضاء الإداري بمدينة لندن البريطانية، واحدا من أقوى أحكامه القضائية المتعلقة بمراقبة مدى مشروعية وشرعية الاتفاقيات التجارية التي تم إبرامها مع المغرب سنة 2019، ودخلت حيز التنفيد بداية يناير 2021 بعيد خروج المملكة البريطانية من الاتحاد الأوروبي، وهي الاتفاقيات التي كانت موضوع طعن من طرف جمعية “حملة الصحراء الغربية ببريطانيا”، التي تصل خيوطها لخصوم المغرب ممن كانوا يراهنون على جر القضاء البريطاني بعدما فشلوا أمام المحاكم الأوروبية من أجل استصدار قرار قضائي يبطل هذه الاتفاقيات، بعلة أنها تشمل الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وبعلة أن المغرب لا يحق له إبرام هذه الاتفاقيات، وهي مشتملة على إقليم لم يتم حسم وضعيته القانونية، حسب زعمهم.
كل الادعاءات التي قدمها خصوم المغرب كانت موضوع رد قانوني واضح من المحكمة الإدارية البريطانية، وهو رد ترجمه قرار صادر عنها قضى برفض هذه الدعوى، مؤكدا على قانونية هذه الاتفاقيات لعدة أسباب نوردها في ما يلي:
خصوم المغرب ادعوا أنه لا يحق له أن يوقع اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع بريطانيا بسبب الوضعية التي يدعون أنه يوجد عليها « إقليم الصحراء»، وقد ردت المحكمة على هذه النقطة موضحة بأن القانون الدولي لا يمنع من توقيع اتفاقيات اقتصادية شاملة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، بشرط أن تتمتع ساكنة هذا الإقليم من عائدات هذه الاتفاقيات، وهو ما أكدت عليه المحكمة عندما رفضت هذا الدفع مؤكدة بأن الساكنة المحلية تستفيد من خيرات المنطقة، ومن عائدات مختلف الاتفاقيات التي تكون الصحراء جزءا منها، وقد عللت حكمها في هذه النقطة بالإشارة للتقرير الذي كان قد أنجزه الاتحاد الأوروبي سنة 2018، والذي خلص إلى استفادة الساكنة المحلية الصحراوية واقتصادها المحلي من عائدات اتفاقية الصيد البحري والتبادل الفلاحي، وكانت لحظتها بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي وجزءاً من تلك الاتفاقيات، وعليه فالمحكمة أكدت على احترام المغرب وبريطانيا للقانون الدولي مادام أنه يتم تخصيص مداخيل منها لصالح المنطقة، وأن المغرب بموجب ذلك له كامل الصفة القانونية لتوقيع اتفاقيات تشمل إقليم الصحراء المغربي.
الخصوم ادعوا في دعواهم أنه لم يتم استشارة “ممثلي الشعب الصحراوي”، وهم يقصدون بذلك تنظيم “جبهة البوليساريو”، المحكمة كانت واضحة في رد هذا الدفع معتبرة أن الاتفاقية احترمت قواعد الاستشارة مع الساكنة المحلية من خلال المشاورات التي كانت قد أجرتها الحكومة البريطانية ووزارة التجارة البريطانية مع ممثلي الساكنة الصحراوية محددة إياهم في المنتخبين المحليين، الذين شاركوا في هذه المفاوضات والمجتمع المدني الصحراوي، وهي بذلك تضفي شرعية قانونية وقضائية على الممثلين الحقيقيين للساكنة المحلية، وتنزع المشروعية عن تنظيم «البوليساريو» وكذا شرعية الحديث باسم ما يسمى « بالشعب الصحراوي».
المحكمة البريطانية، وهي ترفض دعوى جمعية “حملة الصحراء الغربية في بريطانيا»” تكون قد حسمت النقاش القانوني على طبيعة الاتفاقيات التي وقعتها حكومة بلادهم مع المغرب، وتنهي مبكراً مع فصل من فصول محاولة استنزاف الحكومة البريطانية على المستوى القضائي لاستغلال المساطر القضائية في دعاوى قضائية تحركها خلفيات سياسية ترغب في خلق التوتر بين المغرب وبريطانيا، ودفع هذه الأخيرة إلى التراجع عن هذه الاتفاقيات لعزل المغرب عن أصدقائه وخلق حالة تشويش على وضعية المغرب في هذه الأقاليم الجنوبية، واللتين انتهتا بالفشل.
المغرب لم يحقق مجرد انتصار عادي، بل حقق تراكماً إضافياً كبيراً في سلسلة الأحكام القضائية الأوروبية التي تعتبر بمثابة اجتهاد قضائي أوروبي يتعلق بوضعية الأقاليم الصحراوية الجنوبية في علاقتها بالمغرب، ليس فقط قضائيا أو قانونيا، بل أيضا سياسيا، إذ تعتبر هذه الأحكام بحيثياتها حجة قوية على شرعية السيادة المغربية الكاملة على هذه الأقاليم، والتي يجب أن تستعمل «الأحكام القضائية» أمام مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة والجمعية العمومية كورقة من أوراق الترافع السياسي، الذي يتقاطع فيه القانوني والقضائي، ولأنها تستكمل مختلف العناصر التي تقوي من أطروحة مبادرة الحكم الذاتي، وتُظهر جدية المغرب وإرادته السياسية في احترام إرادة الساكنة المحلية وجعلها جزءاً من أي عملية سياسية كانت أواقتصادية.