أضف النص الخاص بالعنوان هنا

أندريه الباز وأسلوب”التدمير الخلاق” لتخليص الإنسانية من المآسي وبشاعة الحروب في عمله “جرار”

أندريه الباز وأسلوب”التدمير الخلاق” لتخليص الإنسانية من المآسي وبشاعة الحروب في عمله “جرار”

خالد الكطابي

لم يكن نهج أسلوب “التدمير الخلاق” الذي أبدعه الفنان المغربي، أندريه الباز، ترفا فنيا يهدف من خلاله تقديم لوحاته الفنية في صيغة مغايرة للسائد، حيث كانت اللوحة الفنية تقدم في إطار خشبي تختلف قياساته..بل قام بإعادة كتابة تاريخ الفن، عندما عمل على حفظ/تحنيط،المادة الفنية وروحها في جرار زجاجية  لتقديمها للجمهور الفني بشكل عام وللمهتمين بتاريخ الفنون بصفة خاصة للتعرف على أسلوب جديد في تقديم العمل الفني بعد تدميره..

جرار زجاجية تشكل توابيت نبيلة  تستريح  فيها أعماله الفنية التي تضم بين ثىاياها تاريخ الألم  الفني والإنساني..فعملية التدمير والتمزيق خلفت ألما وصراخا،لجأ الفنان إلى تسكين مفعولهما حتى لا تتكرر المآسي الإنسانية..

دمر أندريه الباز أعماله لتصمد في وجه الدهر بعد  قيامه  بتحنيط مخلوقاته\ابداعاته : روحا وجسدا في الوقت الذي قام فيه المصريون القدامى بتحنيط  الأجساد فقط ودفنها مع كل ما يمكن أن يحتاجونه في

انتظار حياة أخرى في فضاءات مغلقة تم اكتشافها بعد مرور قرون عديدة..

ويعيد أندريه الباز سؤال الفن إلى بداياته الأولى، لكنه لا يفتأ يكسر قواعده التي تبدو في حالة تحول دائم وغير مرئي..

في كتابه “حياة وموت الصورة”، النسخة الإسبانية، يشير الكاتب والفيلسوف الفرنسي، روجيس دوبري، على “أن أول عمل فني : مومياء مصر، جثة صارت عملا فنيا، وأول قماش : الكفن الذي رسمه القبطي  وأول محافظ : المحنط وأول قطعة في فن الديكور: آنية الرماد ، الأواني الكانوبية، جرة”..

لم يجمع أندريه الباز كل العناصر السالفة الذكر وحسب، بل والأكثر من ذلك هو من أبدع ودمر و حفظ  روح ومادة العمل الفني..لذلك فحفظ أعماله الفنية، مادة وروحا وألما، داخل جرار لم يكن يهدف إلا لتخليدها وتخليص الإنسان من المآسي والفظائع والمسوخات التي يقترفها بيديه..

تجعل الجرارالزجاجية، الثابثة في مكانها، المشاهد في وضعية متحركة للإحاطة بمجمل العمل الفني.. إنها مستقرة مثل الشمس تضيء ما حولها في الوقت الذي يقوم فيه المشاهد .بدورة كاملة حولها ليشمله الضوء من كل اتجاه.

“التدمير الخلاق”

رأى أندريه الباز النور، بمدينة الجديدة المغربية، في 26 من شهر أبريل، أي في نفس اليوم الذي يصادف  تدمير مدينة غورنيكا الإسبانية(1937)،التي خلدها زميله بابلو بيكاسو في إحدى أعماله الخالدة، حينها كان عمر الفنان المغربي لا يتجاوز الثلاثة سنوات..

بعد مرور61 سنة،قام أندريه الباز بتدمير وتمزيق لوحاته الفنية،بعد مشاهدته لأشخاص يقدمون على الارتماء من طوابق مرتفعة تجنبا للاحتراق،وليس انتحارا،بعد عملية التدمير الذي تعرض لها برجا مركز التجارة الدولية بنيويورك فيما يعرف بهجمات 11 من سبتمبر

ويمكن اعتبار أن الفنان أندريه الباز، في عمله التدميري، قام بمساعدة أعماله الفنية على  الانتحار

احتجاجا على المأساة التي يصر الإنسان على اقترافها بمبررات لا يمكن لكل حس مرهف أن يتقبلها..

كما يجسد التدمير الخلاق حالة التحول الذي انتهجه أندريه الباز، احتجاجا على المآسي والمجازر التي عرفتها الإنسانية،ليجد صداه في لوحاته الفنية التي انتبهت للمسخ المحيط بها،قبل أن يقرر مساعدتها على الانتحار الفني كخلاص للإنسانية..

خلق الصورة:

عند تأمل عمله الإبداعي الموسوم ب“جرار”، نجد أن  التدمير الخلاق الذي انتهجه أندريه الباز ساهم في خلق الصورة دون الحاجة إلى آلة تصوير ومختبرات لتحليل الصورة..إنها معادلة جديدة لإبداع الصورة فعبر لوحة مدمرة/متحولة، تم حفظها وتسكينها داخل جرة زجاجية يجد المشاهد نفسه، دون أن يشعر،أمام هالة صورة،خرجت للوجود، في الوقت الذي كان يرى فيه لوحة دائرية الشكل ..

نعم ،إنها تحتاج إلى آلات تصوير الآخرين ، التي تشبه الأسلحة ، فهي إن اختارت لن تقوم بقتل الفنانين ، فيما الجروح التي تحملها إذا لم تلتئم ستترك الكثير من الندوب..

يتميز إبداع أندريه الباز بخلخلته للمفاهيم الفنية السائدة، وهو ما يجعله متفردا في أساليبه الفنية التي تتجدد تبعا للمراحل والأحداث التي تطبع مساره الإنساني والفني، لكنه يبدو مستعدا أن يضحي بأعماله الفنية، من أجل خلق جديد للعمل الفني ذاته،هدفه الأسمى تخليص الإنسان من المآسي مهما كانت مبررات مقترفيها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

فيديو