أضف النص الخاص بالعنوان هنا

ساعاتيون بالبيضاء تجاوزتهم عقارب الزمن ويرافقون ساعات هامدة

ساعاتيون بالبيضاء تجاوزتهم عقارب الزمن ويرافقون ساعات هامدة

تجاوزتهم عقارب الزمن بعدما كانوا إلى وقت قريب يضبطون عقارب الساعة، زاولوا حرفة إصلاح  وبيع الساعات لعقود بمحلات تقليدية متفرقة بالأحياء الشعبية في الدار البيضاء، منهم من وافته المنية، ومنهم من بقي على قيد الحياة يجلس داخل محل معتم رفقة ساعات أغلبها هامدة، صارت مجرد ديكور للزوم الشغل. تجده منشغلا بشيء ما في انتظار زبون يأتي وقد لا يأتي. هم حرفيون وساعاتيون قدامى لم يسايروا العصر، وساروا قاب قوسين أو أدنى من أن يطويهم النسيان.

حركة بزقاق وسط المدينة القديمة بالبيضاء تحول إلى شبه سوق. تتناهى إلى سمعك أصوات بائعي الخضر والفواكه، وصيحات بائعي السمك، والدجاج. كل يشهر سلعته ويروج لها بطريقته. غير بعيد من هذا الزقاق، وجدت بشكل متفرق محلات عتيقة لإصلاح الساعات. حين وصلنا إلى المكان كانت السماء ملبدة، والساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا. أحد المحلات تظهر عليه آثار الزمن بأبوابه الخشبية المتداعية، وزجاج المحل المكسو بالغبار والاصفرار. على  الواجهة وضعت ساعات عفا عنها الزمن، وبدا الدرج الخشبي عند المدخل غير مرئي بوضوح تام بسبب عتمة طاغية على المكان.                     

وراء الدرج، وتحت ضوء خافت وخفيض، يقعد رجل مسن على كرسي غير مريح، أمامه طاولة وضع عليها كيفما اتفق أجزاء من ساعات قديمة، مجهر دائري صغير، ملقط، مفكات براغي دقيقة، جهاز قياس البطارية، براغ…كان يستمع إلى أغنية عبر مذياع قديم فقد الكثير من هيبته، ويرتشف كأس شاي بالنعناع. تحدثنا معه، وأخبرنا أنه يزاول حرفة إصلاح  الساعات لما يفوق خمسين سنة، وأنه تعلم الحرفة من ساعاتيين كانوا حينها معروفين بالدار البيضاء كـأسماء بارزة، ورائدة في المجال.

قال بصوت واهن: “هذا الزقاق كان معروفا بإصلاح الساعات وتنظيفها، كنا حينها نشتغل مع الزبائن بشكل منتظم وعادي، بل كنا في بعض الأوقات نضطر جراء وفرة الإقبال وتحت ضغط الشغل، إلى تقديم مواعيد للزبائن”. صمت قليلا بدت عليه آثار التعب، وتابع بلهجة أسف وهو يمسح عينيه بظهر يديه: ” في الوقت الحالي تغيرت الأمور، لم نعد كما كنا في السابق، قل الرواج وقل معه الدخل”، ثم رفع يديه النحيلتين إلى أعلى في الهواء دلالة على قلة ذات اليد وضعف الحيلة. أفرج عن ابتسامة غامضة، ثم غاص في عالمه الخاص.

غادرنا المحل المعتم، واتجهنا صوب مركز المدينة، إلى محل إصلاح وبيع ساعات عصري بواجهة أنيقة مزينة بساعات حديثة ذات ماركات شهيرة، عامل مؤهل بالمحل أفادنا أن أغلب الحرفيين من الساعاتيين القدامى لم يتمكنوا من تطوير إمكانياتهم الحرفية، ومواكبة التطور الحاصل في سوق صناعة الساعات. قال بصوت رصين ينم عن خبرة: “تطورت الساعات، صارت تحتوي على مادة الكوارتز التي تختزن المعلومات الإلكترونية داخل علبة الساعة”.

فهمنا أن “ثورة الكوارتز” المشعة في مجال الساعات، هي السبب في عتمة محلات المدينة القديمة.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

فيديو