احتفت مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث هذه الأيام بربع قرن على إنشائها، حيث قدمت بالمناسبة حصيلة عطاءاتها وأنشطتها التي طبعت هذه الفترة الممتدة من 2000 حتى 2024
ففي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، يقدم رئيس المؤسسة السيد عبد الكريم الزرقطوني معطيات ضافية عن هذه الحصيلة الخاصة بإطار وطني مدني رأى النور من أجل وضع قواعد مرجعية للاشتغال على الذاكرة التحريرية وصيانتها من كل عوامل الزمن والنسيان، حتى تكون رهن إشارة الباحثين، وملهمة للأجيال الحالية والمستقبلية.
1 // أولا، ماذا عن الأهداف التي سطرتها المؤسسة خلال نشأتها ؟
// المؤسسة رأت النور على يد فئة من الوطنيين والمقاومين والباحثين والإعلاميين سنة 2000، وذلك بهدف وضع قواعد مرجعية للاشتغال على الذاكرة التحررية الوطنية، وصيانتها من كل عوادي الزمن والنسيان.
تسعى المؤسسة إلى جعل سجلها ذاكرة تتمثلها الأجيال المغربية وتسلتهم قيمها ومضامينها الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، بغية التعريف بتاريخ الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، وجمع وتوثيق وتنظيم وتعميم تداول المعطيات حول هذا التاريخ.
ومن الأهداف الأخرى التي رسمتها المؤسسة، إنجاز وطبع ونشر دراسات وأبحاث وأعمال إبداعية حول الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، ثم تنظيم ندوات وتظاهرات ثقافية وفنية وتواصلية حول الموضوع نفسه، علاوة على دورات تكوينية وتدريبية للباحثين الشباب والمهتمين بتاريخ المقاومة وجيش التحرير.
2 // اشتغلت المؤسسة على مجالات مختلفة، ما هي حصيلة منجز المؤسسة في مجالي التواصل والنشر؟
الأعمال التواصلية السمعية البصرية
// أشرفت المؤسسة على إنجاز برامج وثائقية أو ساهمت في إعدادها .. كما ساهمت في إنجاز أعمال فنية وإبداعية مستلهمة من رصيد القيم التحررية للشعب المغربي.
وعرضت هذه البرامج والأعمال الفنية على قنوات وطنية وعربية، ومن بين هذه المواد برامج ،”وقائع” على القناة الثانية، و”حضور” و” في الذاكرة” على القناة الأولى، و”عالم الثقافة” على شاشة قناة اقرأ، ومسرحية “أولاد الوطن” على القناة الثانية، التي أدتها مجموعة تكادة.
كما حرصت المؤسسة على الانفتاح على العالم العربي عبر أعمال مشتركة مع مبدعين وفنانين من خارج المغرب، مثلما هو الحال مع مسرحية “ليلة الشهيد” التي أدتها فرقة عراقية وأخرجها الفنان فلاح شاكر.
المنشورات والمكتبة
تسعى المؤسسة إلى تعزيز مكتبتها بمجمل الإصدارات الوطنية، وأحيانا الأجنبية، المشتغلة على تراث المقاومة المغربية والحركة الوطنية.
نتوفر حاليا على رصيد لا بأس به من المقتنيات ومن الأطاريح الجامعية ذات الصلة، وهي توجد رهن إشارة الباحثين والمهتمين بالمقر الرئيسي للمؤسسة.
كما سعت المؤسسة إلى اقتحام عالم النشر عبر منشوراتها.. من ذلك النسختين العربية والانجليزية لكتاب الشهيد محمد الزرقطوني للحسن لعسيبي وعبد الكريم الزرقطوني، ومذكرات المقاوم محمد الشتوكي (إشراف معروف الدفالي)، وكتاب المقاوم سعيد بونعيلات لعزيز الساطوري، ومذكرات المقاوم عبد القادر تاج الدين لأسامة الزكاري، وكتاب المقاوم مولاي العربي الشابي شتوكي للحسن العسبي، وكتاب المقاوم مولاي عبد السلام الجبلي لأسامة الزكاري.
ثم كتاب الشهيدة ثريا الشاوي لعبد الحق المريني مؤرخ المملكة، فالكتاب الجماعي الذي حرصنا فيه على تجميع مواد ندوات التظاهرة التي نظمتها المؤسسة تحت عنوان “2014: سنة محمد الخامس”.
3 // اشتغلت المؤسسة أيضا على مبادرات أخرى منها إنصاف المرأة المقاومة .. ما أهمية هذا الجانب ؟
ذاكرة المرأة المقاومة
// يتعلق الأمر بالتأسيس لمبادرة في إنصاف ذاكرة المرأة المقاومة .. إنها تجربة المهرجان الوطني للمرأة المقاومة الذي ينظم يوم 10 أكتوبر من كل سنة، وذلك بمناسبة ذكرى التعديلات على مشروع قانون الأسرة الذي ارتبط بالإصلاحات الكبرى التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بعد اعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين.
وتخصص فقرات المهرجان للاحتفاء بسيرة إحدى نساء المغرب، ممن كانت لهن إسهاماتهن في ساحة النضال الوطني، حيث حظيت العديد من النساء الرائدات بلقاءات احتفائية ساهمت في التعريف بأدوارهن السياسية في معركة الاستقلال والبناء إلى جانب شقيقهن الرجل.
المهرجان الوطني للمقاومة
دأبت المؤسسة، منذ تأسيسها سنة 2000، على تنظيم مهرجان سنوي للمقاومة يوم 18 يونيو من كل سنة.. ومعلوم أن هذا التاريخ يوافق تاريخ استشهاد محمد الزرقطوني، وهو اليوم الذي اختير يوما وطنيا للمقاومة.
وبالعودة للتاريخ فقد ألقى جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله تراه خطابه الشهير أمام قبر الشهيد محمد الزرفطوني مخاطبا إياه «… أيها البطل الشهيد شاء الله عز وجل أن نقف اليوم على قبرك لا نبكي شبابك الغالي فإن أمثالك لا تقاوم ذكراهم بالبكاء …».
لقد شكلت هذه الزيارة حضنا ملكيا ساميا لأسرة المقاومة ولقيم المقاومة ولتضحيات المقاومة، كما عرفت نفس المرحلة استمرارا لهذه الالتفاتة المولوية السامية التي جسدها جلالة الملك الحسن الثاني الذي قام – من موقعه كولي للعهد- بزيارات متتالية لقبر الشهيد خلال سنوات 1957 و1958 و1959، بمناسبة ذكرى 18 يونيو 1954 التي تؤرخ لحدث سقوط الشهيد محمد الزرقطوني في ساحة الشرف والكرامة.
لذلك فإن تجربة المهرجان قد استجابت لهذا الأفق الوطني الأصيل .. واليوم، أصبح هذا المهرجان محطة أساسية لتقييم رصيد المنجز الوطني في مجال البحث الأكاديمي المتخصص في تراث المقاومة.
4 // هناك أيضا عناية خاصة بالندوات الفكرية والانفتاح على المؤسسات التربوية والتكوين والفن .. ماهي الآفاق التي فتحتها هذه المجالات؟
// عقدت المؤسسة ندوات ذات بعد أكاديمي مرتبط بقضايا البحث في تاريخ المقاومة والحركة الوطنية، ركزت أساسا على قضايا الأرشيف الوطني، والأشكال العلمية لاستغلال رصيد الروايات المشفوية، وتقييم رصيد الكتابات الأجنبية، الفرنسية والاسبانية تحديدا حول الموضوع، وتحولات البحث التنقيبي المرتبط بتراث المقاومة.
ندوات مغاربية
هي نافذة مشرعة تطل من خلالها المؤسسة على عمقها المغاربي الذي جسدته وحدة المعارك النضالية ضد جبروت الاستعمار.. يتعلق الأمر بلقاءات علمية وتواصلية حول الموضوع، بتعاون وتنسيق مع مؤسسات وطنية ودولية مهمة.
هي إذن منتديات للتفكير الجماعي في واقع التراث الوحدوي المغاربي المشترك من أجل الحرية والاستقلال، وفي شروط استكمال حلقات الحلم الذي زرعه شهداء معركة الاستقلال.. آفاقه المغاربية الواحدة والموحدة.
أنشطة تربوية وتكوينية
كما توجهت المؤسسة نحو الأجيال الصاعدة، فكان رهانها كبيرا على استغلال فضاءات المؤسسات التربوية لبلورة أنشطة تواصلية مع الفئات الناشئة.
وفي مجال التكوين شرعت المؤسسة، منذ ثلاث سنوات، في تنظيم حلقات تكوين لفائدة الشباب الحامل للشهادات العليا، والتي غطت مجالات، المعلوميات والتربية المواطناتية والانفتاح على اللغات الحية.
توثيق ذاكرة رجال المقاومة
استطاعت المؤسسة تعزيز خزانتها السمعية البصرية بتسجيلات حية مع العديد من رجال المقاومة، منهم من لا يزال على قيد الحياة ومنهم من انتقل إلى دار البقاء،
5 // هل تعتقدون أن رسالتكم وصلت، وأن أهدافكم حققت المراد ؟
ج// يكفينا فخرا، ويكفينا تنويها ما جاء في الرسالة الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المؤسسة بتاريخ 17 نونبر من سنة 2001، بمناسبة تخليدنا لذكرى عيد الاستقلال المجيد.
لقد اختزلت هذه الرسالة السامية مضامين الاعتزاز التي ظلت تحفز هممنا من أجل استكمال مهامنا التأطيرية في مجال الاشتغال على الذاكرة التحررية لمغرب عقود الاستعمار.. هي نبراس يلهمنا نحو معالم العطاء التي أكدت الرسالة الملكية السامية على قيمتها الوطنية النبيلة، بالنظر لمكانتها الرمزية في كل جهود نهضتنا الحضارية الراهنة.
فلا مستقبل لنا بدون وعينا الجماعي بقيمة التراث التحرري والإنساني الذي راكمه آباؤنا الكرام في سياق المعركة الكبرى من أجل الحرية والاستقلال. هذا هو التوجه العام الذي استقرأت من خلاله الرسالة الملكية السامية عطاء المؤسسة، وهو عطاء سيظل ملهمنا في كل مشاريعنا ومبادراتنا، حالا واستقبالا.