أضف النص الخاص بالعنوان هنا

 المخرج المغربي “محمد بلحاج” يروي سيرة “ياسر عرفات” صاحب أخطر مشروع تحرري في العالم في ثلاثية “الختيار”

 المخرج المغربي “محمد بلحاج” يروي سيرة “ياسر عرفات” صاحب أخطر مشروع تحرري في العالم في ثلاثية “الختيار”

خالد الكطابي

عرضت قناة الجزيرة الوثائقية ثلاثية «الختيار» للمخرج المغربي محمد بلحاج، وقد بثتها في ثلاث حلقات تحمل عناوين مستقلة، لكن الخيط الناظم بينها يتجسد في تقديم صورة/سيرة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، التي تشاء الصدف أن يكون بثها متزامنا مع الذكرى التاسعة عشر لاستشهاده (11نونبر2023).

يدخل “الختيار”  ضمن المشروع السير الذاتي الذي يشتغل عليه بلحاج مسائلا مسارات شخصيات بصمت التاريخ السياسي والثقافي العربي والإسلامي، حيث سبق له أن قدم أفلاما وثائقية عن زعماء، كالشهيد المهدي بن بركة في فيلم “بن بركة اللغز” و “أسطورة الريف رعن الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، “فؤاد شهاب” عن سيرة الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب و”هل تستمر الرسالة” عن المخرج السينمائي مصطفى العقاد.

اختار محمد بلحاج أن يعنون ثلاثيته بعناوين مختلفة حملت اسم سلسلة “الختيار” ليست لأن كل سلسلة قائمة بذاتها فحسب، بل لأنها تتبع في تقديمها سردا خطيا للأحداث والمشاهد، التي عمل المخرج المغربي من خلال تركيب الأرشيف وتقديم الشهادات، أن يخدم رؤيته لسيرة ياسر عرفات، التي يتداخل فيها العنصر الإنساني بالنضالي، أي ما بين عرفات الشخص/الإنسان والقائد /الرمز، حيث لا يمكن الفصل بينهما في كل أجزاء الثلاثية.

قدم المخرج ثلاثيته في حوالي 148 دقيقة، دون احتساب تقديم بداية كل حلقة كملخص للعناوين الكبرى التي طبعت الحلقة السابقة، ما يجعل المشاهد يعيد الأحداث ويربطها دون الحاجة إلى إجهاد الذاكرة ومنحه إمكانية الإقبال على متابعة جزء لاحق، دون مشاهدة الجزء السابق..

اختيار عناوين دالة لأجزاء السلسلة: «البدايات» «التقلبات» «التسوية» تشكل دعوة مفتوحة إلى استكشاف عالم «صاحب أخطر مشروع في العالم، في ما يخص حركات التحرر والوطني» حسب رأي الكاتب والباحث صقر أبو فخر، ثم توصيفه بأخطر رجل في الشرق الأوسط، حسبما أوردته مجلة «التايم» الأمريكية..

وظف بلحاج في سلسلة «الختيار» موسيقى تصويرية جعلها مصاحبة للأحداث والوقائع، تضفي على المشاهد واللقطات هالات رمزية تمس إحساس المتلقي، فتجعله منغمسا في متابعة الصورة، التي وإن بدت ثابتة حينما يوظف الصورة الفوتوغرافية، إلا أنها تحمل في طياتها عنصر الحركة المستمر.

شهادات “الختيار”

استعان المخرج بشهادات لشخصيات سياسية وفكرية ودبلوماسية، عايشت أو درست المحطات التي مرّ منها أبو عمار

إنها شخصيات تعرف الزعيم الراحل عن قرب «اختلف معه الكثيرون لكن لم يختلف عليه أحد» كما يقول المفكر اللبناني معن بشور، الذي أكد ما قاله الآخرون بصيغ مختلفة.

تذكير

وتجنبا لطرح سؤال الغياب أم التغييب في ما يخص عدم تمكنه من استقاء شهادات كل من أرملته سهى الطويل وابن أخته، ناصر القدوة، لا يتردد المخرج في تذكير المشاهد وإخباره بأنه حاول مرارا الاتصال بهما أثناء تصوير الفيلم إلا أنهما اعتذرا رغم موافقتهما المبدئية..

الختيار

طيلة الأجزاء الثلاثة يحكي المخرج رحلة الشهيد ياسر عرفات حيث سينقلنا إلى وقائع يجدها مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، التي لا يمكن أن تناقش بعيدا عن الشخصية المحورية التي راكمت تاريخا من المقاومة والعمل السياسي وعانت من الخيانات والدسائس لكنها لم تفقد الأمل حتى في أحلك الظروف..

البدايات


ابتدأ المخرج سلسلته من حيث كانت أن تنتهي، حيث جعل البداية/النهاية لازمة لكل الحلقات ليجعلها راسخة في ذهن المشاهد، بعد إعادته وتركيزه على مشهد يبرز فيه أصوات تخطيط الجهاز الطبي وممر مستشفى بيرسي العسكري في باريس، مؤكدا في ما بعد، عبرالشهادات، أن الزعيم الراحل قضى متأثرا بفعل تعرضه لمادة سامة.. ليعيدنا إلى البدايات الأولى للشهيد ياسر عرفات عن طريق توظيف التسجيل الصوتي عبر آلة التسجيل، أو عبر تسجيلات فيديو صحافية، أو لقاءات تنظيمية تم تصويرها ..يحكي الشهيد ياسر عرفات عن أصوله ومساره الدراسي (شهادة الهندسة) ثم انخراطه في الكفاح المسلح مع الجيش المصري إبان العدوان الثلاثي (1956) أو كفدائي في (1969) وجه الاحتلال الإسرائيلي ثم بداياته الأولى التي رافقت ميلاد حركة فتح (1965) وترؤسه لمنظمة التحرير الفلسطينية.. وفرض ياسر عرفات خطه النضالي بعد هزيمة1967حيث لم يركن كما فعل الآخرون، بل أعلن عن الكفاح ولو بوسائل ضعيفة، سرعان ما سيشحذ لها همم الفدائيين (معركة الكرامة 1968) لينسج علاقات ستمكنه من إعلان قضية فلسطين أمام العالم، متحديا بعض الضربات التي تلقاها، خاصة بعد توقيع أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع الإسرائيليين سنة 1973 وتحاشيه ذكر الشعب الفلسطيني أثناء خطابه أمام الكنيست..

كما يورد المخرج آراء ياسر عرفات، خاصة عند حديثه عن حل للصراع العربي الفلسطيني، حيث طرح الختيار حينها بناء دولة ديمقراطية وطنية يعيش فيها الجميع من مختلف الأطراف والأديان.. ويمكن اعتبار «البدايات» تقديما خاصا يعرض فيه المخرج شخص الزعيم الفلسطيني ومساره النضالي المسلح وعلاقاته مع باقي الفصائل الفلسطينية، والكيفية التي تولى بها رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، ووجودها في ما بعد في الأردن وأحداث أيلول/سبتمبر الأسود سنة 1970 التي ستعرف خروج المقاومة المسلحة من الأردن، بسبب رفض الجيش التعايش مع المخيمات، حسبما أكده الملك حسين لزعيم الكتائب السابق كريم بقردوني، في الوقت الذي رفض فيه الزعيم الفلسطيني الاقتتال مع الأردنيين وأنه يواجه الإمبريالية، بدليل وجود بوارج حربية في البحر الأبيض المتوسط .. بعد ذلك ستنتقل المقاومة الفلسطينية إلى لبنان لتفتح صفحة أخرى بما لها أو عليها..

كما أنها لم تكن مقاومة مسلحة فقط، بل كذلك علمية وفنية أثرت الشعب اللبناني بعد تأسيسها لمجلة «الأبحاث الفلسطينية» و«مؤسسة السينما» والإذاعة، التي ظلت مفتوحة في وجه تكوين كل الراغبين في ذلك من العرب..

“التقلبات

في الجزء الثاني «التقلبات»: يبدأ من السنة التي ألقى فيها الزعيم الفلسطيني خطابه التاريخي في مقر الأمم المتحدة (1974) قائلا جملته الشهيرة: «لقد جئتكم بغصن الزيتون في يد وبندقية الثائر في يد.. فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي» إشارة اعتبرها المدير السابق لمركز التخطيط الفلسطيني منير شفيق، تأكيدا لنزوع مبكر نحو التسوية.. بعد ذلك سيتم التطرق إلى الوجود الفلسطيني في لبنان والانقسام الداخلي، ما بين مؤيد للمقاومة ومعارض لها سرعان ما سيتعقد مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت (1982) اعتبرها الزعيم الفلسطيني أكبر مواجهة عربية حينها مع الكيان الصهيوني.. لينقلنا إلى خروج ياسر عرفات إلى تونس حيث أطلق تصريحه الشهير، حين كان يهم بمغادرة طرابلس: «هذا جزء من مسيرتنا الطويلة إلى دولتنا المستقلة إلى العاصمة الفلسطينية القدس».

وسيبدأ رفقة رفاقه صفحة جديدة في المقاومة ستنتهي بإطلاق انتفاضة الحجارة سنة 1987 واستشهاد العديد من المقربين إليه، سواء في لبنان، أو تونس، حيث خلف استشهادهم أثرا غائرا في نفسيته، خاصة عند فقدانه لأبي جهاد (خليل الوزير) أحد مهندسي الانتفاضة الفلسطينية.

التسوية

فيما يحمل الجزء الأخير اسم «التسوية» كدلالة على أن ما جرى زمن التقلبات كان له الوقع في قراءة الزعيم الفلسطيني للمتغيرات الإقليمية والدولية، حيث انطلق من مؤتمر منظمة التحرير في الجزائر سنة 1988، بعد ذلك سيؤدي الفلسطينيون ضريبة حرب الخليج الأولى التي اشتعلت في بداية تسعينيات القرن الماضي.. لكن ما حفز الزعيم الفلسطيني على المضي قدما في مسعاه نحو التسوية، في تصريح صحافي قائلا: «كانت مقابلة بين الرئيس الأمريكي جورج بوش، مع الملك الراحل الحسن الثاني، الذي تحدث لأول مرة كرئيس أمريكي عن «الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعن قرارات الأمم المتحدة» لتبدأ بعدها مفاوضات مدريد المفضية إلى 

اتفاقات أوسلو..

بعد سنوات من قيادته للسلطة الفلسطينية في رام الله، سيتم اكتشاف المنعطف التفاوضي الذي وصل إلى عنق الزجاجة، بعد أن تمت محاولة مساومته على التنازل عن القدس في مفاوضات كامب ديفيد الثانية، ليشهرها في وجه الرئيس الأمريكي: «يبدو أنك لم تنم جيدا بالأمس». بعد فشل المفاوضات، سيجد الزعيم الفلسطيني نفسه محاصرا دوليا، لكنه عمل على «قيادة انتفاضة ثانية، ما زالت مستمرة إلى الآن» حسب تعبير معن بشور، دون أن يظهر في الواجهة ما أدى برئيس الاحتلال الإسرائيلي إلى محاصرته والعمل على التخلص منه، رغم حجم التضامن الذي حظي به دوليا

ورغم أن سلسلة «الختيار» تظهر زيارة لياسر عرفات لمؤسس حركة حماس، الشهيد أحمد ياسين، عند الإفراج عنه ووعده له بالصلاة معا في القدس.. إلا أن الشهادات لم تتضمن اسم أي ناشط من حركة حماس.. تشاء الصدف أن يتم عرض السلسلة في أوج العدوان الإسرائيلي على غزة انتقاما من عملية طوفان الأقصى، وأن ينهي محمد بلحاج ثلاثيته بسؤال للمفكر اللبناني، كريم مروة، قائلا: «نذكر ذلك التاريخ ونتأسف على رحيل ياسر عرفات ونتساءل أين هي القضية الفلسطينية اليوم؟» وبصورة تحمل ابتسامة أمل لياسر عرفات مع شارة للنصر..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

فيديو