أضف النص الخاص بالعنوان هنا

إجتهاد قضائي..القاضي الإداري مختص بالنظر في الدعاوي المرفوعة ضد المحكمة الدستورية

إجتهاد قضائي..القاضي الإداري مختص بالنظر في الدعاوي المرفوعة ضد المحكمة الدستورية

محمد أيت العسري، طالب باحث بجامعة الحسن الأول، سطات.

في حكم قوي المعنى والتعليل، منطقي المبنى والتسبيب، انتهت من خلاله المحكمة الإدارية بالرباط في 18 أكتوبر 2022، إلى أن اختصاصها قائم في دعوى مرفوعة إليها ضدالمحكمة الدستورية، في إطار دعوى المسؤولية الإدارية، عن عدم ادراج مذكرة جوابية أدلى بها المدعي لدى كتابة الضبط، بصفته نائبا عن المطلوب في طعن انتخابي أمام المحكمة الدستورية.

     ومن الملاحضات المهمة التي يثيرها هذا الحكم، ما يتعلق بالدفوعات التي قدمها دفاع المحكمة الدستورية للإحتجاج بعدم اختصاص القضاء الإداري للنظر في الدعاوى المرفوعة ضد المحكمة الدستورية، أو بالأحرى التشطيب على الدعوى من سجلات المحكمة، نظرا لأنها مؤسسة دستورية تعلو على السلطة القضائية.

     بحيث جاءت الحجج التي استندت إليها المحكمة الدستورية لتبرير عدم اختصاص القضاء الإداري، والتشطيب على الدعوى من سجلات المحكمة كالتالي:

1_ المحكمة الدستورية هي سلطة دستورية وليست سلطة ادارية.

3_ مبدأ التراتبية يقتضي أنه لا يمكن لمحكمة محدثة بقانون  أن تراقب عمل محكمة محدثة بموجب الدستور.

4_ يقاس على هذه الدعوى ما سبق للمجلس الأعلى سابقا أن قضى به بخصوص قضية مزرعة عبد العزيز.

5_ القانون حصر اختصاص المحاكم الإدارية في طلبات الغاء قرارات السلطات الادارية، المتسمة بالشطط في استعمال السلطة.

6_ المحكمة الدستورية لا تدفع بعدم الاختصاص وإنما بالتشطيب على الدعوى من سجلات المحكمة، بمعنى أنه ليست هنالك هيئة قضائية يمكنها أن تنظر في دعوى يكون أحد أطرافها المحكمة الدستورية.

7_ المحكمة الدستورية لا تندرج ضمن التنظيم القضائي للمملكة.

_ فيما جاءت حيثيات المحكمة الإدارية مستندة إلى:

 1_ المواثيق الدولية فيما يتعلق بحق التقاضي في المرتبة الأولى، ثم إلى الدستور.

2_ المادة 8 من القانون 41.90 نصت فيما يتعلق بدعوى التعويض، على مفهوم أشخاص القانون العام، بغض النظر عن طبيعتهم القانونية، سواء كانوا سلطة أم غير ذلك.

3_ غاية التراتبية هي ضمان انسجام التشريعات الوطنية مع أحكام الدستور.

4_ المحكمة الدستورية و إن لم تندرج ضمن التنظيم القضائي، فهي جزء من مرفق العدالة، تمارس الى جانب نشاطها القضائي عملا اداريا، فتكون خاضعة للقواعد العامة للمسؤولية المرفقية، دون أن يمس ذلك بمكانتها الدستورية.

5_ لا استثناء من مبدأ سيادة القانون، واقرار الحق في التقاضي طبقا للمساواة في الخضوع للقانون، ولا يقيد من هذا الحق إلا الشروط المقررة تشريعيا تحت طائلة انكار العدالة.

    تعليقا على ما سبق ذكره، في الجزء المتعلق طبعا باختصاص المحكمة الإدارية من عدمه، دون أن يفهم من هذا المقال أننا نناقش الحكم في كلياته، يمكن القول أنه باستقراء بعض دفوعات المحكمة الدستورية نجدها تثير مجموعة من الملاحظات والتساؤلاء في الوقت ذاته، كلها تشكل روافدا للسؤال المركزي: هل المحكمة الدستورية تخرج في طبيعتها وخصوصيتها عن التنظيم القضائي للمملكة، أم تخرج عن القانون وسيادته؟

    يجد هذا السؤال مشروعيته في مختلف الدفوعات التي قدمتها المحكمة الدستورية لتنأى بنفسها عن مسؤوليتها عن عملها الإداري، فبغض النظر عن المكانة الدستورية التي تحضى بها هذه المحكمة، إلا أنه وعلى غرار باقي المحاكم بالمغرب، فهي تزاول إلى جانب نشاطها القضائي عملا إداريا، يمكن أن تنتج عنه أخطأ أو أضرارا يجب جبرها بغض النظر عن المتسبب فيها، سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا.

    ومن المسائل المهمة كذلك التي دفعت بها المحكمة الدستورية، ما يتعلق بقضية مزرعة عبد العزيز، مما يفهم منه أن المحكمة الدستورية وضعت نفسها من حيث لا تدري موضع المكانة الاعتبارية للملك في النظام السياسي المغربي، دون أن تبحث في الأسباب والدواعي التي بني عليها حكم  مزرعة عبد العزيز، بل أكثر من ذلك نجد المحكمة الإدارية بالرباط قد أعلنت اختصاصها في دعوى نازع فيها رئيس مجلس المستشارين قرار صادر عن الملك سنة 2016، فذهبت المحكمة إلى عدم قبول الطلب، نظرا لأن الدعوى تهم اختصاص من اختصاصات الملك المحفوظة بموجب الفصل 42 من الدستور، كونه الساهر على حسن سير المؤسسات، ولم تصرح بعدم الاختصاص، فلماذا إذن تصر المحكمة الدستورية على الشطيب على الدعوى من سجلات المحكمة؟

    علما أن هذه القضية (مزرعة عبد العزيز)  كانت تهم قضاء الإلغاء، في حين أن القضية التي أحد أطرافها المحكمة الدستورية هي دعوى تهم قسم القضاء الشامل، نفس الأمر لم تنتبه له المحكمة الدستورية في دفوعاتها الأخرى، كونها استندت إلى أن القانون حصر اختصاص المحاكم الإدارية في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية، وفي قولها كذلك المتعلق بأنها ليس سلطة حتى يمكن مقاضاتها أمام المحاكم الإدارية، في حين أن مفهوم السلطة الإدارية لا يعتد به في إطار دعوى القضاء الشامل، انطلاقا من أحكام المادة الثامنة من القانون المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، كما أن القاضي الإداري المغربي بعد دستور 2011 في بعض من أحكامه، لم يعد يأخذ مفهوم “السلطة الإدارية” على اطلاقه، طالما أن الفصل 118من الدستور يلزمه فقط بالبحث في مدى كون القرار الإداري المطعون فيه يدخل ضمن المجال الإداري أم لا.

    وقولها أن كونها محدثة بموجب الدستور لا يعطي الحق لأي محكمة أخرى محدثة بموجب القانون أن تسائلها، وأنها تسمو على السلطة القضائية هو تفسير غير سليم لمبدأ التراتبية، فهو قول وإن كان مستند إلى أحكام الدستور يبقى مقبول في شق منه من جهة، إلا أنه من جهة أخرى فإن المعمول به في مختلف الأنظمة القانونية أن الدستور لا يجزأ، باعتبار أن الفصل الأول من الوثيقة الدستورية تقتضي أحكامه ربط المسؤولية بالمحاسبة.

    من جانب آخر  فالمحكمة الدستورية وهي تحتج بفصول الدستور لا سيما الفصل 134 منه، فهي لم تميز بين القرارات الدستورية وبين القرارات الإدارية، فإن كانت تصدر قرارات دستورية في إطار الرقابة على دستورية القوانين، أو عند بتها بالطعون الانتخابات، فهي كذلك تصدر قرارات إدارية تهم السير الإداري للمحكمة، سواء فيما يتعلق بعمل كتابة الضبط أو فيما يرتبط كذلك بالموظفين العاملين بالمحكمة.

    وغني عن البيان، أنه وبالنظر  لحيثيات المحكمة الإدارية بخصوص الإعلان عن اختصاصها للبت في الدعوى المرفوعة إليها، نعتقد أنها كانت موفقة إلى حد بعيد على مستوى مختلف الحيثيات التي سبق ذكرها، في إطار التطبيق السليم لأحكام الدستور والمواثيق الدولية، و الفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود، والمادة 8 من القانون رقم 41.90، والمادة 391 من قانون المسطرة المدنية، وهو ما لم يخرج عن ما هو مفترض دائما في القاضي الإداري بالتحديد نظرا لخصوصية الدعوى الإدارية من اعطاء حماية خاصة للحقوق والحريات بصرف النظر عن طبيعة المتقاضين، في أفق تكريس دولة الحق والقانون، في مختلف الأنظمة القضائية، التي تأخذ بمفهوم القضاء المتخصص وليس في المغرب فقط.

    يمكن القول في خاتمة هذا المقال، أن الحكم الذي سبقت مناقشته هو للأسف من الأحكام القليلة جدا التي يستمتع فيها القارئ بما يسمى “بحوار القضاة” أو بالأحرى “حوار المحاكم” فيما بينها، الذي يكشف ويعطي مؤشرات غاية في الأهمية حول عدة مفاهيم، من قبيل “سيادة القانون” “وربط المسؤولية بالمحاسبة” “وحماية الحقوق والحريات” “والحكامة القضائية”…

    باعتبار أن هذا الحكم يمكن أن يشكل تمرينا حقيقيا، تم من خلاله قياس مدى تأثر بعض المؤسسات الدستورية بفكرة دولة الحق والقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وسيادة القانون، على رأس هذه المؤسسات المحكمة الدستورية بطبيعة الحال.

     لكل هذه الأسباب، نعتقد أن المشرع أصبح مطالبا قبل أي وقت مضى باعادة النظر في بعض المقتضيات التي تهم اختصاص وعمل المحكمة الدستورية، وإيجاد كوابح لبعض سلط هذه المحكمة، التي ما زالت تخيل للبعض على أنها غير محدودة وغير خاضعة للمحاسبة، وفاء لمبدأ “ضرورة احترام القانون الدستوري” الذي بني عليه قرار المحكمة الأمريكية العليا، وشكل النواة الأولى للقضاء الدستوري في ما عرف بقضية ماربوري ضد مادي سون سنة 1803، ما يتطلب جرأة أكثر في الانفتاح على التجربة الأنگلوساكسونية في هذا الباب عوض الاكتفاء بالتجربة الإيطالية والفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

فيديو