أضف النص الخاص بالعنوان هنا

حلاقون من زمن الماضي يواجهون المخاطر وينتظرون الفرج

حلاقون من زمن الماضي يواجهون المخاطر وينتظرون الفرج

محلات من خشب وقصدير مطلية  بصباغة رديئة، مصطفة على حائط سياجي على مرمى السكة الحديدية بمقربة من سينما “أطلس” بدرب السلطان. المنظر يعكس نفورا صارخا في ظل ظهور صالونات حلاقة عصرية بالعاصمة الاقتصادية. أغلب الحلاقين بهذه الأكواخ المتداعية أنهكتهم متاعب الحياة، تقوست ظهورهم بفعل وطأة السنين. يواجهون تقلبات الزمن، وبعضهم مازال يعيش على الماضي ويستكين إلى حنين الذكريات.

الساعة تشير إلى التاسعة صباحا من يوم خريفي، وحلاقو الأكواخ يفتحون محلاتهم، يسألون رزقهم بعون من الله. أحدهم كان رجلا كهلا، تظهر عليه علامات التعب و البشاشة في آن . كنس، ثم رش ماء أمام محله بنشاط وحيوية. اقتربنا منه وتحدثنا إليه. أخبرنا بلكنة محببة أن المحلات تعود إلى بداية الخمسينات، وأنها كانت في البداية عبارة عن خيام تم نقلها من منطقة “كراج علال” إلى هنا بزنقة السكك الحديدية. قال أيضا وهو يرحب بنا لإلقاء نظرة على محله: “هناك محلات أغلقت منذ سنوات وهاجرها أصحابها بسبب ضعف الدخل وقلة الرواج”.

 صمت لبرهة، وتابع بنبرة أسف: “تغيرت الأحوال وتغير الزبائن، كنا في الماضي نشتغل بشكل جيد، على كل حال نحمد الله ونشكره”، تفوه بالعبارة الأخيرة وأعرب عن ابتسامة ارتياح. بدا أكثر نحافة حين ارتدى وزرة شغل بيضاء فضفاضة، وشرع يتفقد أدوات عمله الموضوعة كيفما اتفق على المنضدة : فرشاة ومعجون حلاقة، كوب نحاسي، جزازة شعر يدوية، قارورة فيها ماء، أكثر من مقص، شفرات…

المحل القصديري مزين بصور مطربين قدامى. ويظل الكرسي الخشبي المخصص لزبائن الحلاقة، يحافظ على متانته وهالته. بجانب الكنبة المترهلة، ركزت شماعة علقت عليها مناشف، ووزرة خصصت للزبائن. وتفوح بالمكان رائحة حريفة شبيهة برائحة بقايا صابون رديء، تغيرت رائحته من فرط الاستعمال.

“قضيت سنوات طويلة بهذا المحل، أيام كان الزبائن يأتوننا بـأبهى حلة، ببذل وربطات عنق”، وأخرج  من درج المنضدة صورة قديمة بالأبيض والأسود، يظهر فيها برفقة زبون بكامل أناقته، ثم تطلع إلى الصورة مبتهجا كـأنه يراها لأول مرة، وقال بصوت هش يغالبه الحنين “أيام زمان”، وجال بنظره بعيدا في الفراغ، كأنه يرى للتو صورا وأحداثا مضى عليها الزمن. في هذه الأثناء، سُمع هدير قطار يمر من الجهة الخلفية للمحلات.  

حدثنا الحلاق أيضا عن الصعوبات والمخاطر التي تحيط بالحلاقين بهذا المكان، أبرزها إمكانية اندلاع الحريق في محلات محاطة بالخشب، علما أن هذه المحلات سبق أن تعرضت لحريق قبل سنوات مضت خلف خسائر مادية زادت من مشاكل الحلاقين، ولتغيير الموضوع أخبرنا الحلاق وهو يستقبل زبون له، أن مخرجين سينمائيين يـأتون أحيانا إلى هنا للبحث عن إكسسوارات يحتاجونها في أفلامهم تتعلق بأدوات حلاقة قديمة.

قال ونحن نغادر المحل في ما يشبه الخلاصة: ” أرجو أن تتحسن الأمور نحو الأفضل، نحن في انتظار الفرج”…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

فيديو