أضف النص الخاص بالعنوان هنا

الرباط .. ندوة موضوعاتية حول حقوق الإنسان واستهلاك المخدرات

الرباط .. ندوة موضوعاتية حول حقوق الإنسان واستهلاك المخدرات

انطلقت، يوم أمس الثلاثاء بالرباط، أشغال ندوة موضوعاتية حول “حقوق الإنسان واستهلاك المخدرات”، بشراكة بين مجلس أوروبا، ووزارتي العدل، والصحة والحماية الاجتماعية.

وفي كلمة افتتاحية، أكد مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، هشام ملاطي، على ضرورة “معالجة موضوع استهلاك المخدرات خارج الإطار القضائي والسياسات الأمنية والجنائية، في إطار نُهج بديلة تحاول أن تضع حدا لهذا المرض أو الإدمان، وأن تضع بعض الحلول التي يمكن اعتمادها في هذا الصدد”.

وأبرز أن المغرب يتبع نهجا وسطا في إطار ما يسمى بالمقاربة “شبه القضائية” “l’approche extra-judiciaire”، حيث تتاح للمدمن إمكانية اختيار العلاج، وبالتالي إيقاف المساطر القضائية.

كما سجل السيد ملاطي بارتياح مجموعة من الاجتهادات والمبادئ التي كرسها القضاء المغربي في إطار الفصل الثامن من ظهير 1974 نحو إلزام أو وجوب قيام القضاة بإشعار أو تبصير المدمن على المخدرات بإمكانية لجوئه إلى العلاج بدلا من مسار المتابعة القضائية.

وأضاف أنه “في إطار ما تتخذه المحكمة من تدابير وقائية، تم التنصيص على أن يكون هناك، إلى جانب العقوبة الأصلية، تدبير وقائي وهو الوضع داخل مؤسسة للعلاج من الإدمان”، مشيرا إلى أن قانون العقوبات البديلة أيضا جعل العلاج من الإدمان كعقوبة بديلة في إطار التدابير العلاجية المنصوص عليها في هذا القانون.

وبعد أن أكد أن القانون يتيح كل الإمكانيات التي يمكن استثمارها في إطار مكافحة استهلاك المخدرات والتعامل مع المستهلك كمريض، ركز ملاطي على أن هناك إكراهات كبيرة مرتبطة بتفعيل هذا النهج، لا سيما في ما يرتبط بالبنيات التحتية المتعلقة بإيواء المدمنين على المخدرات.

كما أعرب عن أسفه لعدم توفر مراكز مغلقة للعلاج تتوفر على فضاءات “سوسيو-تربوية” تأهيلية، فضلا عن ضعف الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة في تنفيذ برامج العلاج، مشيرا إلى أن وزارة العدل تعمل على مشروع بناء أربعة مراكز مغلقة بكل من الدار البيضاء، وسلا، وفاس، والعرائش.

من جانبه، قال رئيس شعبة تتبع القضايا الجنائية الخاصة برئاسة النيابة العامة، حفيظ باحدو، إن السياسات الوطنية المرتبطة بمكافحة المخدرات ترفع اليوم من شأن الوقاية والعلاج بالدرجة الأولى، وتولي اهتماما خاصا لكرامة المستهلك للمخدرات وحقه في الرعاية الصحية.

وأبرز أنه تم الانتقال، بشكل تدريجي، من مقاربة تقليدية مبنية على الزجر بشكل أساسي، وليس حصري، إلى مقاربة أكثر شمولية تراعي بطبيعة الحال البعد الإنساني، وكرامة الفرد وحقه في العلاج والاندماج.

وأكد باحدو أن الارتقاء بالمعالجة القضائية لقضايا استهلاك المخدرات على أساس حقوق الإنسان يتطلب تعميق العمل المشترك بين مختلف المؤسسات، وتعزيز قدرات المتدخلين في المجالات القانونية والصحية والاجتماعية.

وأبرز أيضا أن المغرب كان دائما حاضرا في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة المخدرات ويواكب تطورها، “ولكن آن الأوان لنرفع من سقف التجاوب مع هذه الاتفاقيات، والتعامل معها دائما في هذا البعد الإنساني”.

وبدوره، أكد رئيس وحدة تتبع قضايا المخدرات بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حامد حامي الدين، أن موضوع حقوق الإنسان واستهلاك المخدرات يعرف مجموعة من الإشكالات التي تتقاطع فيها اعتبارات القانون الجنائي مع متطلبات الصحة العامة وصون الكرامة الإنسانية، مما يستدعي اعتماد مقاربة حديثة في معالجة قضايا المخدرات من منظور حقوقي وإنساني متكامل.

وشدد على أن “التجارب والوقائع أثبتت أن الاقتصار على المقاربة الزجرية في التعامل مع استهلاك المخدرات يخلف كلفة اجتماعية وصحية وقضائية مرتفعة، إذ يساهم في تفاقم الهشاشة والتهميش، ويثقل كاهل المحاكم والمؤسسات السجنية، ويحد من فعالية الجهود المبذولة في هذا الإطار”.

وأبرز حامي الدين أن المشرع المغربي “تماشيا مع هذه الرؤية، تبنى مقاربة مزدوجة ترتكز على الردع القانوني من جهة، وعلى المعالجة وإعادة التأهيل من جهة أخرى، بما يحقق حماية المجتمع ويصون في الوقت ذاته كرامة الفرد وحقه في الاستشفاء”.

ويتضح هذا التوجه، حسب المسؤول القضائي، في أحكام ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة والوقاية منه، حيث تتيح الفقرة الثانية من الفصل 8 تعليق المتابعات الجنائية إذا قبل المتهم بعد فحص طبي يأمر به وكيل الملك، الخضوع لعلاج إزالة التسمم داخل مؤسسات علاجية أو مصحات خاصة مرخص لها.

كما يمنح الفصلان 80 و81 من مجموعة القانون الجنائي للمحكمة إمكانية الأمر بإيداع الأشخاص الذين ترتبط جريمتهم بحالة تسمم مزمن في مؤسسات علاجية، باعتباره تدبيرا بديلا عن العقوبة السجنية يهدف إلى معالجة الأسباب الجوهرية للسلوك الإجرامي وتعزيز فرص إعادة الإدماج.

أما ممثل وزارة الصحة، عمر بورام، فأكد أن ضمان التوازن العادل بين متطلبات الصالح العام والمجتمع وضرورات حماية الحقوق الأساسية للأفراد المعنيين بإشكالية المخدرات والإدمان يبقى انشغالا وتحديا يتعين على الدول، بما فيها المغرب، رفعه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وأوضح أن أخذ حقوق الإنسان بعين الاعتبار في السياسات المرتبطة بالمخدرات يعد مسلسلا متواصلا لتطبيق المعايير القانونية والمبادئ المرتبطة بحقوق الإنسان وإعداد السياسات في هذا المجال والتفعيل والتقييم، مبرزا أن هذا اللقاء يشكل فرصة لتعزيز الجوانب المرتبطة بحقوق الإنسان في هذا النوع من السياسات، لا سيما من خلال تعزيز كفاءات الفاعلين المعنيين.

وبدورها، أكدت رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالمغرب، كارمن مورتي غوميز، أن “الإدمان يعد من أكثر التحديات تعقيدا التي تواجه المجتمعات اليوم. فهو يتطلب استجابات منسقة تجمع بين العدالة والصحة والأمن والرعاية الاجتماعية وحقوق الإنسان”، مشددة على ضرورة حماية متعاطي المخدرات أو المواد ذات التأثير النفسي ودعمهم ومعاملتهم بكرامة.

وأوضحت أن مجلس أوروبا يولي أهمية خاصة لهذه الرؤية، ويدعم الدول منذ أكثر من 50 عاما في صياغة سياسات قائمة على كرامة الإنسان والصحة العامة، من خلال مجموعة “بومبيدو”، وهي مجموعة التعاون الدولي التابعة لمجلس أوروبا المعنية بالمخدرات والإدمان.

وقالت غوميز إن المغرب عضو في مجموعة “بومبيدو” منذ سنة 2011، ويشارك بنشاط في شبكته المتوسطية للتعاون في مجال المخدرات والإدمان “ميد نت”، التي تضم 18 عضوا من ضفتي البحر الأبيض المتوسط، يعززون نهجا قائما على حقوق الإنسان ومراعاة الفوارق بين الجنسين.

ويتضمن برنامج هذه الندوة الموضوعاتية إطلاق برنامج تكوين مهنيي القانون في مجال حقوق الإنسان (HELP)، الذي يهدف إلى تقديم تكوين عالي الجودة في مجال حقوق الإنسان لفائدة القضاة وقضاة النيابة العامة والمحامين، إلى جانب الهيئات المكلفة بإنفاذ القانون لتمكينهم من حماية حقوق الإنسان بشكل أفضل على المستوى الوطني، والاطلاع على المعايير والاجتهادات القضائية المتطورة للهيئات القضائية الأوروبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

فيديو