قبل أن يرحل حسونة المصباحي، إلى دار البقاء. كنت أتواصل معه بين الحين والآخر، أبعث إليه إعجابي بما يكتبه، فيبادلني الحديث بود الكبار وبساطة العارفين.
كان يسألني عن رأيي في كل كتاب أقرأه له، منصتا بصدق، وكأنه يتلمس في كلماتي صدى القراء الحقيقيين. وكان يقول لي دائما:
-أنت تقول رأيك، وهذا الرأي أثمن عندي من آراء أغلب النقاد الذين لا يعرفون ما الأدب.
مساء أمس، وأنا أتجول بين رفوف المكتبة، باحثا عن كتاب يؤنس وحدتي ويواسي غربتي في هذا العالم البارد، وقعت عيناي على مجموعة قصصية له، غجرية في برلين. لحظتها تذكرت حديثه الأخير عن هذه القصص الجديدة، وكيف قال لي إنها تختلف عن كل ما كتب من قبل، لأنها خرجت من أعماق التجربة لا من حرفة الكتابة فحسب.
فتحت الكتاب، وبدأت أقرأ. شيئا فشيئا وجدت نفسي أسافر بين سطوره، مأخوذا بسحرها الخفي، بذلك الصفاء العذب الذي لا يجيده إلا كاتب صادق. كانت القصص تنبض بالحياة، تشدك من أول جملة، وتجعلك تقرأها كلها دون أن تشعر بالوقت.
وهنا أدركت من جديد أن الأدب، في جوهره، ليس درسا في الفلسفة ولا بيانا في الفكر، بل هو فن للإمتاع أولا، ثم تأتي بعد ذلك كل المهمات الأخرى.
الخطابي إلياس