تسلمت الشاعرة الإيفوارية الكبيرة، تانيلا بوني، مساء الخميس بأصيلة، جائزة “تشـيكايا أوتامسي” للشعر الإفريقي في دورتها الثالثة عشرة، بحضور نخبة من المفكرين والأكاديميين والفنانين والكتاب المغاربة والأجانب، ضمن فعاليات الدورة السادسة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي.
وقد مُنحت هذه الجائزة المرموقة لتانيلا بوني اعترافاً بمسارها الفكري وبغنى وبعمق إنتاجها الشعري، فضلاً عن البعد الإنساني الذي يميز فنها، وهي قيم تجسد روح هذه الجائزة ومعانيها السامية.
في كلمة خلال حفل تسليم الجائزة، أكد الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، حاتم البطيوي، أن هذا اللقاء يشكل مناسبة للاحتفاء بالشاعرة الإفريقية المرموقة تانيلا بوني، معتبرا أن هذا التتويج هو اعتراف بما تمثله كاتباتها من تجربة فنية فريدة، وحس شعري متميز في فضاء الشعر الإفريقي الفرنكفوني، فضلا عن ما تنطوي عليه أعمالها من سمات جمالية جذابة، تميز مجموعاتها الشعرية الغزيرة.
وبعد أن ذكر بكوكبة كبار الشعراء الذي حازوا الجائزة في دوراتها السابقة، من قبيل إدوارد مونيك ورينيه ديبستيري ومازيزي كونيني وأحمد عبد المعطي حجازي وجان باتيست لوتار وفيرا دوارتي وعبد الكريم الطبال والمهدي أخريف وأمادو الامين سال، اعتبر البطيوي أن هؤلاء الشعراء ينتمون لأجيال وتجارب شعرية متنوعة، مبرزا أن اختيار تانيلا بوني راجع إلى كونها تعد شخصية بارزة في الأدب الإفريقي المعاصر وصوتا نسائيا متميزا.
وتابع أن أعمال الشاعرة المحتفى بها تنم عن موضوعات مثل الهوية ووضع المرأة والتحولات التي تشهدها المجتمعات الإفريقية، إلى جانب أسلوبها الكتابي المتسم بالبساطة والكثافة، جامعا بين العمق الجمالي والانخراط الاجتماعي، معربا عن اعتزازه بفوزها بجائزة تيشكايا أوتامسي، الشاعر الذي شكل أحد الرموز البارزة لموسم اصيلة الثقافي الدولي.
من جهتها، نوهت غزلان دروس، مديرة الكتاب بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، أن الجائزة منحت هذا العام لصوت بارز في الشعر الإفريقي المعاصر، لامرأة أضاءت أعمالها الساحة الأدبية منذ عقود، معتبرة أنه “من خلال منحكم هذه الجائزة، نحن لا نحتفي بموهبتكم الاستثنائية فحسب، بل أيضاً بعطائكم والتزامكم الراسخ في خدمة العدالة والحرية.”
وأضافت “تانيلا بوني ليست فقط شاعرة موهوبة، بل هي ضمير حي وناقلة للذاكرة ومهندسة للفعل. فهي تضفي على شعرها صرامة فكرية لا تخنق العاطفة، بل تصوغها وتُهذبها”، منوهة بأن هذه الشاعرة تذكّرنا بأن الشعر ليس ترفاً، بل ضرورة وجودية، ومساحة حرية تتشكل فيها كرامة الإنسان.
أما رئيس لجنة التحكيم، الشاعر أمادو لامين صال، فأشار إلى أن هذه الجائزة، التي تكرّم ذكرى الشاعر الكونغولي الكبير تشيكايا أوتامسي، منحت لأحد أهم الأصوات الشعرية الإفريقية، وهي الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني، التي فرضت حضورها على الساحة الشعرية الإفريقية بإنتاجها الغزير والعميق.
وأوضح صال، الذي يرأس أيضاً البينالي الدولي للشعر في داكار، أن لجنة التحكيم استندت في اختيارها إلى معايير متينة، منها مسارها الفكري المتميز، وغنى عملها الشعري، وعمق كتاباتها، وهي خصال جعلت الشاعرة تحظى بتقدير واسع وحصدت بفضلها عدة جوائز دولية.
وقد أجمع أعضاء لجنة التحكيم على أن الشاعرة تستحق هذا التتويج بجدارة، لما تتميز به من موهبة شعرية فذة، وجودة فنية عالية، والتزام إنساني متواصل بالقضايا العادلة.
كما أكدوا أن موسم أصيلة يظل منصة حقيقية للإبداع وللاحتفاء بالثقافة، باعتبارها أحد أهم جسور التقارب بين الشعوب والهويات والثقافات.
أما الشاعرة تانيلا بوني، فقد عبّرت عن تأثرها الكبير وفرحتها العميقة بهذا التتويج المرموق، مؤكدة أن هذه الجائزة ستمنحها القوة لمواصلة الكتابة والدفاع عن القيم الإنسانية الأساسية، وهي التضامن والكرامة والأخوة.
وقالت تانيلا “إنها المرة الثانية التي تجمعني فيها الأقدار بمدينة أصيلة. أعرف أزقتها المضيئة، هذه الأرض التي يعشقها الفن والشعر، والتي أحبها كثيراً الشاعر تشيكايا أوتامسي”، معربة عن فخرها بتسلّم هذه الجائزة في مدينة النور والسلام والأخوة، أصيلة.
وقد تميز هذا الحفل أيضاً بزيارة حديقة “تشيكايا أوتامسي”، الواقعة في قلب مدينة أصيلة.
وتُعد تانيلا بوني من الأسماء البارزة في الأدب الإفريقي المعاصر ومن أهم الأصوات النسائية المعبّرة، حيث تستكشف في أعمالها الشعرية مواضيع مثل الهوية، ووضعية المرأة، وتحولات المجتمع الإفريقي.
ووُلدت الشاعرة في أبيدجان سنة 1954، وتتميز كتاباتها بقدرتها على المزج بين الالتزام الاجتماعي والثقافي وبين صرامة فنية وجمالية واضحة.
وتانيلا بوني شاعرة وروائية وفيلسوفة، وهي عضو مشارك في أكاديمية المملكة المغربية، كما شغلت سابقاً رئاسة اتحاد كتاب كوت ديفوار ما بين سنتي 1991 و1997، وساهمت في العديد من المشاريع الأدبية والثقافية، من ضمنها تنظيم المهرجان الدولي للشعر في أبيدجان.
وتتسم كتاباتها، البسيطة في ظاهرها والعميقة في جوهرها، بمزجٍ متقن بين البعد الجمالي والالتزام الإنساني، مانحةً صوتاً لمن لا يُسمع صوتهم. وقد تجلت موهبتها الشعرية منذ سنوات دراستها الثانوية، واستمرت في التطور والتألق حتى بعد توجهها إلى الفلسفة والرواية والمقالة.
وبذلك أصبحت تانيلا بوني ثاني شاعرة إيفوارية تنال هذه الجائزة، التي سبق أن مُنحت لعدد من الشعراء الأفارقة البارزين، من بينهم الإيفواري جوزي غيبو سنة 2014.
تجدر الإشارة إلى أنه في صيف عام 1988، أعلن الراحل محمد بن عيسى، الأمين العام السابق لمؤسسة منتدى أصيلة، عن إحداث جائزة تعنى بالشعر الإفريقي، تمنح كل ثلاث سنوات لأحد الشعراء الأفارقة المرموقين.