أضف النص الخاص بالعنوان هنا

بلاغ الأغلبية الحكومية يتسم ببرودة رسمية في مواجهة حرارة الشارع

بلاغ الأغلبية الحكومية يتسم ببرودة رسمية في مواجهة حرارة الشارع

 

بينما تهتز شوارع مدن المغرب باحتجاجات جيل Z الغاضب، الذي يرفع شعارات الصحة والتعليم والكرامة، اختارت هيئة رئاسة الأغلبية الحكومية إصدار بلاغ يبدو باردا، جامدا، وكأنه مكتوب بلغة تقنية أكثر مما هو استجابة سياسية لنبض الشارع.

هذا البلاغ الصادر عقب اجتماع قادة أحزاب التحالف الثلاثي، جاء ليؤكد “الانخراط في التوجيهات الملكية” و”العمل على الإصلاحات الكبرى”، دون أن يقدم أي أجوبة عاجلة أو ملموسة حول المطالب التي أخرجت آلاف الشباب إلى الساحات العامة.
وهو ما يجعل من هذا النص الرسمي مجرد عملية هروب إلى الأمام، بدل أن يكون محطة للمصارحة مع الرأي العام.

من يقرأ البلاغ يلاحظ غلبة العبارات المتكررة: “الورش الملكي”، “الانخراط القوي”، “الإصلاحات المهيكلة”، وهي لغة تذكر المغاربة بسنوات طويلة من الوعود المؤجلة ،في حين أن جيل Z الذي يقود الاحتجاجات اليوم لا يطلب خططا تمتد لعقود، بل مدارس لائقة، ومستشفيات قادرة على استيعاب مرضاهم، وفرص عمل تفتح أبواب المستقبل أمامهم.

فالبلاغ حاول إظهار “تفهم” لمطالب الشباب، لكن هذا التفهم جاء محاطا بشروط وتعابير باردة: “النتائج لا يمكن أن تقاس آنيا”، “الحوار المؤسساتي هو السبيل الوحيد”، وكأن الحكومة تقول بصريح العبارة للمحتجين: اصبروا، لا حلول الآن.
هذا الخطاب لا يزيد إلا في تأجيج القطيعة وفقدان الثقة بين الشارع والمؤسسات.

إن أحد أبرز ملامح البلاغ هو استتاره خلف التوجيهات الملكية والبرامج الكبرى التي يرعاها الملك، وهو ما يطرح سؤالا سياسيا جوهريا:
أين هي مسؤولية الحكومة كجهاز تنفيذي منتخب؟
أليس دورها تقديم سياسات واضحة وسريعة تتحمل هي مسؤولية نتائجها؟
إن الاختباء الدائم وراء المبادرات الملكية قد يبدو للبعض ذكاء سياسيا، لكنه في الواقع يعكس ضعفا وتملصا من المحاسبة.

إن جيل Z الذي يملأ الشوارع اليوم ليس استمرارا للمعارضة التقليدية ولا امتدادا للأحزاب الكلاسيكية.
إنه جيل يتواصل عبر الفضاء الرقمي، يملك أدواته الخطابية ومطالبه المباشرة.
ما ينتظره هذا الجيل ليس بيانات سياسية متخشبة، بل خطوات عملية تحترم ذكاءه وتجيب على أسئلته اليومية:
لماذا المدرسة متهالكة؟ لماذا المستشفى لا يستجيب لأبسط الحاجات؟
أين يذهب المال العام؟

إن ما يمكن استخلاصه من هذا البلاغ هو ان الحكومة ما زالت أسيرة مقاربة باردة، تدار بمنطق العلاقات العامة أكثر مما تدار بمنطق السياسة.
في الوقت الذي يطالب فيه الشارع بالكرامة والعدالة الاجتماعية، ترد الأغلبية ببلاغ مطول لا يقنع سوى محرريه.
وإذا استمرت هذه الهوة، فإن الشرعية الحقيقية ستنتزع من الشارع، حيث يكتب جيل Z اليوم معادلة سياسية جديدة، لا مكان فيها للخطابات البيروقراطية ولا للوعود المؤجلة.

بقلم : جواد رسام

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

أحدث المقالات

فيديو