حين كنا صغارا، كنا ننفر من تلك العبارة المتكررة: “المغرب أجمل بلد في العالم”. لم نكن نراها سوى شعارات جوفاء تردد علينا لإسكات تساؤلات الطفولة عن فقرنا، وتهميشنا، وضيق أفقنا.
ومع بداية مرحلة الشباب، ازدادت نظرتنا السوداوية تجاه بلدنا. لم يكن السبب فقط في غياب الفرص، بل في الشعور العميق بأن لا أحد يصغي. لا أحد يهمه أمرنا. فصرنا نحمل جرح الانتماء وننظر إلى المغرب كواقع قاس لا وطن حاضن.
لكن اليوم…
اليوم، ونحن نتابع التحولات المتسارعة، المشاريع الكبرى، الأوراش المفتوحة، والانخراط النشط للمغرب في قضايا العالم، بتنا نرى جانبا آخر من الصورة.
نعم، المغرب جميل.
نعم، هناك نهوض واضح.
نعم، هناك طموح حقيقي لمجاراة الدول الرائدة.
المقومات متوفرة:
رأسمال بشري شاب وطموح.
استثمارات ضخمة.
رؤية استراتيجية واضحة.
شراكات دولية مؤثرة.
إرادة ملكية حاسمة.
لكن، هل هذا وحده يكفي؟
هل يكفي الإسمنت والحديد والطرقات والمطارات لنشطب من ذاكرتنا ترسبات الفقر والتهميش واللاعدالة؟
هل تكفي الواجهة المتقدمة لتغيير عمق الواقع المجتمعي؟
هل التنمية تعني فقط البنيات، أم أنها تبدأ من كرامة الإنسان؟
الحقيقة أن التغيير موجود، لكنه غير مكتمل.
المشهد تغير، نعم، لكن الجوهر لم يتغير.
لا تزال متابعات الرأي، وفضائح الفساد، واستباحة المال العام، وتضييق الحريات، وتوسع هوة الفقر، تطارد الحلم المغربي.
نحن في مفترق طرق:
بين طموح الإقلاع، وعقبات الواقع.
بين مشاريع طموحة، ووجع مجتمعي قابل للعلاج لو توفرت الإرادة.
بين مغرب واعد على الورق، ومغرب موجوع في القلوب.
نعم، المغرب جميل…
لكننا لا نريده جميلا فقط عبر عدسات الإعلام والنشرات الرسمية، بل نريده جميلا في حياة مواطنيه، في فرصهم، في أحلامهم، في إحساسهم بالأمان والانتماء.
كونوا عادلين، شفافين، محبين لهذا الوطن كما نحبه، لنرى جميعًا مغربا يليق بنا.
المغرب لنا جميعا، لا لمن يتحكمون في مفاتيحه وحدهم.
سعيد عاتيق